الخوفُ على الأبناء مِن الوسائل المُهمَّة التي تؤدي إلى صلاحِهم، والخَوف ضروري لبِناء شخصية سوية، ولحِماية الطفل من الأخطار، وأَقصِد الخوف الطبيعي المعقول: أخافُ على ابني من المَزالِقِ فأسلُك سبُلَ الوقاية، وأدلُّه على الخير، وأُبعِده عن مواطن الشبُهات والزلل والخطر، وأُبعِده عن رفقاء السوء وعمَّن يُزيِّن له المعاصي، وأُعلِّمه كيف يَحمي نفسه.
ويَنبغي المُحافَظة على خمسة أشياء، ومُراعاتها والخوف من عدمها، ليُصبِح الأبناء رجالاً صالِحين، وهي المُسمَّاة في الشرع: الضرورات الخمس.
¤ القواعد الأساسية الواجب مُراعاتها في التربية:
1= خافي على دين ابنك: أن يهتزَّ أو يَضعُفَ أو يَفتر، لأنَّ الدِّين أهم مُقوِّمات الصلاح، تَفقَّدي إيمانه ومعتقداته وصلاته وصيامه، وقوِّمي أخلاقه ومعاملاته، ولأن الدِّين لا ينفكُّ أبدًا عن الخلق ولا ينفصل عن الأعمال الدنيوية إربطي الدِّين بالحياة في كل توجيه، فينشأ الولد على طاعة الله، ويُصبِح سلوكه مُرضيًا ومتَّزنًا وراشِدًا.
والدِّين يُربَط بالحياة على طول اليوم، وفي كل اللحظات المناسِبة، فإغتنمي أية فرصة لتثبيت العقيدة والأخلاق الإسلامية والقيَمِ في أعماق ابنِك، وإليك الطريقة:
كلَّما صادفتْكِ مواقف أو مُشكِلات حلِّيها كما جاء في الشرع، مثلاً: إذا قام ابنُكِ من مجلسه ليشربَ ثم عاد فوجَد أخاه جالسًا مكانه، وحدثت بينهما مشادَّة واختصما إليك، فإحكمي بينهما بالشرع -وشرعُنا فيه كل شيء- والمكان للأول منهما، وجاء في الحديث أنه من قام لحاجة فهو أولى بالمكان الذي تركه، وهذه الطريقة في المعالجة تربِط الدِّين بالحياة، وتَجعل الإسلام هو الفيصَل في أي مُشكِلة، وهو الدستور السائد في البيت وفي كل مكان.
ومن أجل تحقيق ذلك، إقرَئي كثيرًا في كتب الحديث وفي التفاسير، وإستَوعِبي الأحكام، أو اقرَئي في كتب الآداب النبوية، والأخلاق، وشخصيَّة المُسلِم، ثمَّ إنقُليها لأطفالِك، كلٌّ في مناسبتِه ووقته الدقيق، وبطريقة غاية في اللُّطف، مثلاً: إذا سمعتِ ابنكِ يَشتُم فإنهَريه على الفور، وأَخبِريه أنَّ الشتمَ مِن شيَمِ اللِّئامِ، والكريم لا يَشتمُ، والمؤمِن ليس بطعَّانٍ ولا لعَّانٍ ولا فاحِشٍ ولا بَذيء، هذه الكلمات القليلة -في مُناسَبتِها- تكفي لردعِ أي سلوك لو إستمرَّت الأم عليها، ولكن إذا إستمرَّ الطفلُ بالسبِّ، وجَبَ علينا معاملته بشدة، فإضرِبيه على شفتِه ضربةً خَفيفةً، وإذا إستمرَّ ضعي القليل من الفلفل في فمه، أشعِريه بأنه يفعل شيئًا مَشينًا لا يَليقُ بالمسلم ولا بالإنسان الواعي المثقَّف المُحترَم، وكوني جادةً في تقويمه، ومع الأيام يُصبِح خلقُه القرآن، ويصبح الدِّين مرجعه الرئيسي.
اختاري مُقرِئًا مميَّزًا في أدائه وضبطه واسمَعي أشرطته المسجَّلة في حضور ابنك، ليتعوَّد سَماع القرآن، وليحفظ الآيات ويُتقِن تلاوتَها مجوَّدةً، واحكي له قصص الأنبياء، حتى إذا كبِر وفهِم فسِّري له سورًا كاملة، أو إختاري الآيات الشائقة منها، مثل الكهف، والأنبياء، والأحزاب، إذ فيها قصص حلوة، وفيها عِظات مُهمَّة، فتَسوقين العِظَة مع القصة، فتَرسُخ العقيدة في أذهان الأبناء.
وتَخوَّلي أبناءك بالموعظة، أي: كلما وجدتِ الوقت مناسبًا ألقي كلمتك وإمشي، وإذا وجدت غلطًا أو مُخالفةً عالِجي الموضوع فورًا، ولا تُكثِري من قولك: حرام، سيحرِقك اللهُ بالنار، افعل ذلك لتحظى بالجنة، فالصغار يَملُّون، ويُحبُّون المنافع العاجلة، والجنة مؤجَّلة وفي عالم الغَيبِ، وهذا شيء صعب الفهم على الصغار، ولذا إستَعملي مع هذا الأسلوب أسلوبًا آخَر: إربطي توجيهاتك بالذوق والأصول، وإهتمِّي بالقيَم التي تؤمِن بها كل الشرائع وكل الشعوب الراقية، والتي تُوافِق الأعراف المحترمة، وهذا ما فعله الرسول، انظُري كيف شرَح الوضوء للصحابة: «لو أن نهرًا بباب أحدِكم يغتسل منه كل يوم، هل يبقى مِن دَرَنِه شيء؟»، تحدَّثَ عن العبادة بمثال دُنيويٍّ بحتٍ، ولاحِظي كيف أقنعَ الرجلَ بترك الزنا: «أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك؟...»، أقنعَه عن طريق القيم التي يُحبُّها كل أصيل، ويَأباها كلُّ لئيم، ولم يقل: حرام، وستَذهب للنار، وإياك إياك، وسيَحبط عملُك كله... فإفعلي مثله في توجيهاتك لأبنائك ينقادوا لك.
وهناك قيَمٌ كثيرة يَنبغي علينا زرعها في أبنائنا، مثل: العدل، الصدق، التقوى، الإستقامة، الرحمة...، وأعطيك مثالاً لزرع الرحمة: إذا رأيتِ ابنكِ يؤذي حيوانًا، فأسرعي وإستخلصي الحيوان من بين يدَيهِ، وإمسَحي عليه برفق، وإفحصيه بإهتمام، وأَبْدِي أسفكِ، لأنه تعرَّض للإيذاء، وإستغفِري اللهَ بصَوتٍ مَسموعٍ، ثم التَفِتي إلى ابنك برفقٍ واسأليه: لمَ فعلتَ ذلك؟ هل آذاك؟، ثم بادِري إلى إيقاظ ضميره على مدى الأيام التالية، فاحكي له قصصًا ومعلومات حقيقية عن الحيوانات كيف تَشعُر وتتألَّم، وكيف أمرَنا الله بالإحسان إليها في قتلِها ولو كانت مؤذية، فكيف نؤذيها وهي أليفة؟! والإيذاء -بلا سبب- يُغضِب الله، واللهُ خلَقَ بعض الحيوانات زينة، ولتُخلِّصنا من الحشرات المؤذية، ولنَستمتِعَ بشكلها وأصواتها، فهي مُفيدة وجميلة، أحضري له كتبًا عنها مزوَّدة بالصور الملوَّنة، وكلما رأيتِ حيوانًا أبدي إعجابك بحلاوة شكلِه وخفَّةِ حركته، وإجعَليه يلمسُ بعضها، ويلعب معها، وسيَجِد متعةً في ذلك، وسيُحبُّ الحيوانات ويتوقَّف عن إيذائها.
وأنصحكِ أخيرًا بالإستمرار في التوجيه وتعديل السلوك والتنبيه إلى الأخطاء، فالصغار يُقدِّمون المتعة على الموعِظة، ويُعجِبهم تقليد سلوك الآخرين أكثر من الإلتزام بما عَلِموه، وسيَعودون بالتالي إلى إيذاء الحيوانات، أو لأي سلوك مَشين، فذكِّريهم بالبرِّ والمرحمة كلما اقترَفوا ذنبًا، وإن الذكرى تنفَع المؤمنين، ولا تَنسيْ أطفالك من دعائك المستمر ليَستقيموا لك.
2= خافي على حياة ابنك:
أبدَيتُ قلقي على ولدي ذي الخمسة عشر عامًا وأنا أُراقبه وهو يَعبُر شارعًا رئيسيًّا مزدحمًا تسير فيه السيارات بسرعة، وتمتَمتُ: حَماك الله يا بُني، سمعتني صديقتي فوجدتْها فرصة لتقدم إلي النصيحة فقالت: إلى متى سوف تَستمرِّين في القلق عليه؟ دعيه ولا تسألي عنه ينصلح ويتعلم ويُصبح رجلاً!
وكان قولُها فرصة لي أنا الأخرى لأُعبِّر عن إستيائي من إهمال الأمَّهات لأولادهنَّ الذُّكور، أملاً بأن يَصنع التسيُّب منهم رجالاً، فأجبتُها: ألا يَقلقون على الرجالِ؟ ألا يتعرَّض الرجال للحوادث كسائر الناس من العجزة والأطفال؟!، وأضفتُ بثِقة: ولماذا تَستغرِبين منِّي -أنت بالذات- وقد دعسَت السيارات قريبَكِ الطبيب قبل أيام في طريق مُزدَحِمة كهذه؟ لقد دعستْه السيارات وهو رجل وأب لعدة أطفال -أي: كبير مُدرِك- ودعسَتْه وهو دكتور في الجراحة ويَعرِف كم تُزهِق حوادث السيارات من الأَرواحِ، فكيف لا أخاف على ولدي الفتيِّ؟.
دهشتُ لما هزَّت صديقتي رأسَها مُقتِنعة، فتابعتُ: لو أنِّي أخاف على ولدي خوفًا غير طبيعي لحبستُه في المنزل ومنعته من الخروج إلا للضرورة أو بصحبة والده، ولكني أدرك أن ولدي أضحى بالغًا عاقلاً راشدًا، فأكتفي بالإشراف عليه، وأُحذِّره وأنبِّههُ للأخطار، وأُعلِّمه كيف يستعمل الأدوات والآلات، وكيف يَحمي نفسه، ثم أدعو له وأتوكَّل على الله، وكلَّما كبر خفَّفتُ من ملاحَظاتي حتى يأتيَ يوم يعتمِد فيه على نفسه بالكامل، ولا يكون منِّي إلا التذكرة إن سَها، والنصيحة إن أخطأَ.
ونصيحتي بأن تَخافي على حياةِ ابنكِ وتَحرِصي على سلامة حواسِّه وأطرافه من الآفات والعاهات والتشوُّهات، ففقد الأطراف يعني موتَها، والموت مُصابٌ كبير، وهو مؤلِم نفسيًّا ومُعطِّل عن الإنجاز، فإحرصي على حياة أطرافه، وإحميه من الأخطار، وحذِّريه مما يُؤذيه، الوقوف على حوافِّ الشرفات، واللعب بالآلات الحادة مثل المفكات، وأيضًا الآلات الكهربائية التي تَفرُم وتقطَع، وكم من طفل فقد إصبعه أو أصيب في عينه جراء تقليده لوالدته، إجلسي معه وقطعي الفاكهة أمامه ليتعلَّم طرق الإستعمال الصحيحة للأدوات والآلات لكيلا يؤذي نفسه، فيتعلم كيف يُمسِك السكين ليُقشِّر البرتقالة، وكيف يَستعمِل الكبريت، ومتى يُدير مِفتاح الفرنِ لإيقاده، وعلِّميه كيف يقطع الشارع بأمان، وألا يفتح أبواب المركبات وهي تسير، ولا يلعب بالمقود.
إن السلامة والخِلقة الكاملة تُتيح للأبناء فرصًا أفضل في الحياة، وتُعينهم على العمل والتقوى، والناس يُخطئون الحسابات ويَشترون لأبنائهم السيارات الفارهة وهم حديثو عهدٍ بالقيادة، وإهمال الأبناء وتركهم ليَقودوا السيارات قبل أن يتمكَّنوا -أو قبلَ بُلغوهم الحُلُمَ والسنَّ القانونية- يشجِّع الطيش والجهل في شخصياتهم، ويؤدي إلى عواقبَ وخيمةٍ، وكم كَثُرت حوادث السيارات هذه الأيام، وكم كثرت العاهاتُ والوَفَياتُ من جرَّائها.
وأيضًا خافي عليه من السفر وحيدًا، وهذا من السُنَّة، والمحبَّذ أن يسافر الناس معًا في ركبٍ، والركب ثلاثة، ومكروه أن يسافر المرء وحدَه: «الراكب شَيطان، والراكبان شَيطانان، والثلاثة ركب»، والناس يتركون أولادهم وحدهم على الطرقات السريعة يَتنقَّلون -بلا ضرورة- بين المدنِ أو بين الدول وعلى مسافات شاسِعة، ويَطول السفر لأيام، وأحيانًا يكون بلا هدف، فيتعرَّضون للمَخاطِرِ بسبب النُّعاس أو السرعة، فيؤذون أنفسهم، وقد يطمَعُ بهم مَن في قلبه مرض فيأخذ مالهم، أو يُسيء إليهم بأي شكل، فيَجرُّهم لما لا تُحمَد عُقباه، والمحافظة على سلامة نفسياتهم مُهمٌّ جدًّا، وما يتعرَّضون له من الإنفعالات قد لا ينسونه أبدًا، ويبقى ملازمًا لهم يَضرُّهم ويُسيء إليهم طيلة حياتهم.
3= خافي على عقلِه ومنطقه وسلامة تَفكيره وصحَّة مُحاكمته: وخافي على ولدكِ أن يكون خبًّا يَسهُل خداعُه فيتأثَّر بالخزعبلات ويُصدِّق الخرافات، أو يكون طِفلاً في ردود فعله، فيتصرَّف بلا نُضجٍ، أو يكون إمَّعة يُحسِن إذا أحسنَ الناس، ويُسيء إذا أساؤوا، فهذا كله غلط.
ولكي يتعلم ابنكِ التفكير السليم، وربط الأسباب بالمُسببات، والإستِنباط الجيِّد، والإستِنتاج الصحيح، كلِّميه عن الكون وقوانينِه، وحُثِّيه ليُفكِّر بالعالَم حوله، وأجيبي عن كل أسئلته بعمقٍ ووضوحٍ، ولا تُهمِلي منها شيئًا، ويُمكِنكِ الإستعانة بالموسوعات والإنترنت وسؤال الخُبَراء والمختَصِّين لتكون إجاباتكِ صحيحة ووافية.
ولقد كُنَّا نخافُ من رفيق السوء -أن يؤثِّر سلبًا على دين أبنائنا وأخلاقهم- فجاءنا الإنحِراف الفِكري من حيث لا نَدري، وإنقلب منطق أبنائنا وإنخربَت عُقولُهم، وتاه تفكيرهم، وضَعُفت محاكمتُهم، فهذا يَضرِب بالقيَم عُرْض الحائط، وذاك يناقش المُسلَّمات، والآخر يتفلسَفُ ويَسلُك سبلَ أهل الكلام الذين ضلُّوا وأضلُّوا، والنتائج خطيرة جدًّا: فهذا يتحلَّل تَمامًا من الأخلاق، وذاك يتغرَّب بفكره ويَنحاز لأعداء الأمة، والآخر يُشكِّك في الثوابت والقيم والعياذ بالله، وكم من الشباب تنصَّر أو تشيَّع أو بدَّل دينَه إلى العَلمانية والإلحاد ومرَق من الدِّين، وكله بسبب تقديس العقل، وإعلاء شأن المَنطِق، فإنتبِهي أيتها الأم، إنتبهي لطريقة تفكير ابنكِ، وإياك أن يتحلل من القيم والقواعد الأساسية.
وإليكِ بعض النصائح:
¤= أنت وزوجكِ قدوة لإبنكما، وسيكون وعاءً لما يراه ويسمعه منكما، فكوني حَذِرةً ولا تُلقِّنيه أفكارًا خاطئة، ولا تَضعي في بيتك إلا الكتب الموثوقة، ولا تُدخِلي إلا المجلات القيِّمة، ولا تَسمعي إلا الإذاعات والقنوات المَقبولة.
¤= ويجب أن يتعرَّف على الناس وطريقة تفكيرهم وإختلافهم في السلوك والمعتقدات، ويُكوِّن رأيًا في القضايا الرئيسية، وليس شرطًا كونُ رأي ابنك نسخة عن رأيك أو رأي والده، المُهمُّ كونُ الرأي سليمًا وموافقًا للشرع، فيَفتح عقله ويَسمع كل شيء ثم لا يَقتنِع بكل ما يَسمعُ، بل ناقشي الآراء معه ليَعرِف مستند الصحيحة، ولتتمَّ غربلة الفاسِدة منها.
أكثر الأبناء يُقدِّسون والديهم ولا يتوقَّعون الأخطاء منهم، فدعي ابنك يَشعُر بأنكِ بشر فلا يرفعك زيادة، ولا يظنكِ عالمةً وفاهمةً في كل أمر، قولي له عما لا تعرفينه: لا أدري، وقديمًا قالوا: نصف العلم: لا أدري، وليعلم قدركِ الحقيقي لكيلا تَسقُطي في نظره، وينفِر منك يومًا.
وليعلم أن كل شخص يَلتقيه سيجد عنده شيئًا من الحكمة وعليه إقتباسها، -وقد تكون نادِرةً وغير موجودة لدى سواه من الناس-، فليأخذْها وليدَع ما سِواها، وإكتِشاف ما عند الناس سيجعله ناضِجًا عميق التفكير بعيدَ النظرِ، وسيتعلَّم كيف يطرد بعض الأفكار فور سماعها، لأنها مخالفة للشرع، وسيتعلم أيها يَستحِقُّ منه التفكير والتأمُّل والإستفادة.
4= خافي على عِرضِه: فالمَيلُ للجنسِ الآخرِ غريزة لا يُمكِنُنا وقفُها، على أننا نستطيع تهذيبها بالوسائل المعروفة من تخفيف الإختِلاط، وإبعاد الأبناء عما يُثيرُ العواطف والغرائز.
ولكن الإنحِراف أصبَحَ سَهلاً وفي مُتناوَل الجَميعِ، وأرقام الهواتِف يَتناقَلُها الشباب، والإنترنت ساعَدَ على التقارُب والتوادِّ بين الجنسَين، ولن يُنجينا إلا التقوى، ومن الصِّغَر سيُدرِك أطفالنا أن للفَتيات الشابَّات عالَمًا خاصًّا، وللشُّبان عالَمُهم، ونُعزِّزها نحن الآباء بإلقاء الملاحظات: بأن تشبُّهَ أيهما بالآخر حرام، والمعاكسة عن طريق الهواتف وفي الأسواق تُخالِف المروءة والأخلاق، وتجرُّ إلى الأخطار.
وسيُساعِدك على ذلك أن الصِّبيان يَنفِرون من البنات من السابعة من العمر، ويَتُوقون لحياة مستقلَّة عنهنَّ، فيرفض الصبي اللعب مع قريباته من البنات، ويُشكِّل الذُّكور عالَمًا منفصِلاً، وهذا الأمر يُحزِن البنات، ويُحاوِلنَ إختراق هذه المقاطَعة واللعب مع أقرانهم وتنشأ المشكلات، وفي هذا فرصة للأهل لتقوية الأنوثة في الأنثى، والذكورة في الذَّكَر، وربط كل منهما بعالَمِه الأصلي، بحيث يتعوَّد التعامُل مع جنسِه بشكل ودِّي، ومع الجنسِ الآخرِ بطريق رسمية وعند الحاجة، على أن يَحترِم كل فريق خصائص الآخَر، الأمر الذي يَضبِط التعامل عند الكبر، ويحدُّ من الإستِرخاء ورفع الكُلفة.
وتؤصَّلُ هذه المعاني منذ الصغر وأثناء مُمارَسة الحياة اليومية، فكلَّما حدث موقِف يُقال على مسمع من الصغار: هذا مَكروهٌ، وهذا مُستحبٌّ، هذا لا يَليق وليس من المُروءة، وهذا لائق، بحيث يَستقبِحون ما يُستقبَحُ ويُشجِّعونَ ما يأمُر به الدِّين ويُحبُّونه، فيُنتقَد أمامهم اللباس المخالِفُ للشرعِ، وتُنتقَد أمامهم المُعاكَسة، ويُثنى على من يغضُّ بصره ومَن يَلتزِم باللباس المُحتشِم، وإذا جاء في التلفاز منظر غير لائق اقلِبي المحطَّة على الفور مع الإستِنكار، والتبرير بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كذا، والله سبحانه نهى عن كذا، وهذه الكلمات مع ما يُرافِقها من تعليقات وردود، أفعالٌ تَرسخ في عقول الصغار، ومع مرور الأيام يَقتبِسون هذه الأفكار ويُدافِعون عنها، ويأبى ضميرُهم مُخالَفتَها مهما كانت الإغراءات.
عوِّديه أن يستأذِنَ في الدخول، وأن يُعلِم بوصوله إلى الدار بقرع الجرس، وكلَّما صادف بابًا مُغلقًا قرَعه برفقٍ قبل فتحِه، وإذا كنتِ في خدمة البيت وإنكشفَ منكِ شيء، فاطلُبي منه غضَّ بصره، وإذا كانت مذيعة الأخبار امرأةً فاطلبي منه ألا يَجلِس قُبالةَ التلفاز ولا يُكثِر النظر، بل يكتفي بالسماع، وكل ذلك سيُعوِّده على الإبتعاد عن مواطِن الشُّبهات.
والقصص الواقعية لها تأثير في هذا المجال، فإحكي لأبنائك عن قصص التغرير التي تتعرَّض لها الفتيات، وعن الفروق بين الذَّكرِ والأنثى، حيث تظنُّ البنتُ كل همسةٍ إشارة لحبٍّ حقيقي، في حين يَتسلى الشابُّ بالفتيات، وحين يريد الزواج لا يَختار من الشوارع، وإنما يَبحث عن بنت العائلة العفيفة.
كوني صريحةً مع ابنكِ المراهِق إذا وجدتِ منه زيغًا ورأيتِه يفتح المواقع الإباحية، وبأيِّ أسلوبٍ بيِّني له ما سيجرُّ عليه فتح هذه المواقع من معاناة لا تَعدِل أبدًا اللذة من الاطِّلاع عليها، وليس سهلاً أن يرى الشاب هذه المناظر ولا يجد بالمُقابل زوجة تَصرِف هذه الطاقة التي إستعَرت بين جوانبه.
ومن الأفضل أن ينام الإخوة معًا في غرفة واحدة ليكون كل واحد منهم رقيبًا عتيدًا على الآخَر، ولتتقوى علاقتهم بعضهم ببعض، فيَستعيضوا عن العلاقات المحرَّمة -مع الجنس الآخر- بالعلاقات الأخوية المحبَّبة المَتينة.
5= خافي على ماله: كوني قدوةً له في كيفية إنفاق الأموال، نشتري ما نحتاجه حقًّا، وما لا نحتاجه لا نأخذه، ونتركه لغيرنا، ولو وزَّعوه مجانًا، وهذا يُربِّي القناعة، والقناعة أهمُّ القيم، فالبضائع تملأ الدنيا والإعلانات تروِّج لها، ولا نستطيع شراء كل شيء، وتأتي القناعة بإشباع غريزتَيْ حبِّ التملُّك وحب الشراء، وإليك بعض الاقتراحات:
•- حبُّ التملُّك غريزة قوية، فإجعلي لصغيرك مجموعة من الممتلكات الخاصة التي لا يُشارِكه فيها سواه، وإتركيه يتصرف فيها على هواه -شرط ألا يُفسِدها- فيكون له طرف خاص من الغرفة لسريره، ولمكتبه الخاص به، وخزانة تضمُّ مجموعةً من الكتب والقرطاسيَّة والأغراض والألعاب التي يُحبُّها والتي يَختارها بذوقه، وتُناسِب عمره وميوله، وبحيث تجدد في الأعياد والمناسبات، بلا إسراف.
•- لا تَسمحي لأحد بالتصرُّف في ممتلكاته بلا إذنه، ولا تُجبِريه على إعارة لُعَبه للآخَرين، ليكن قراره، فقد يَكسِرونها وتندَمين، أو تُسبِّبين له ردَّ فعلٍ سلبيٍّ فيَكره الإعارة، أو مُشارَكة الأولاد له، ولكن حبِّبي الكرم إليه، وشجِّعيه على مشاركة إخوته في اللعب والمرح وتبادُل الألعاب.
•- عوِّديه ألا يطلب مالاً من أحدٍ سِوى والدَيه، ولا ضير بأن يأخُذَ من أقاربِه الكبار عيدية أو هدية، شرط أن يُقدِّموا له المال بمزاجِهم، أي بلا طلب منه ولا إستِشراف.
•- وليكن في جيبِه دائمًا مبلغ من المال يتناسَبُ مع عمره -أي: مصروف يومي- يُنفِقه على هواهُ، ولا ضير من توجيهه بأن يُحافظ عليه، وينفقه فقط حين الحاجة -أي: إذا جاع أو إحتاج قلمًا أو كراسةً- فبعض الأطفال يَظنُّونَ إنفاقه كله مُتعينًا عليهم، ويَحرِصون يوميًّا على التخلُّص منه!
ورغم الإهتِمام الشديد من هذا الجيل بالمالِ وحرصِهم على حيازته، نرى أبناءنا يَستهترون بالنقدِ بعد الحصول عليهِ، فيَشترون البضائع المتنوِّعة، وسرعان ما يَملُّون ويَتخلَّصونَ منها، ويتوقُون للشراء من جديد.
ويلحُّ أبناؤنا على رفع مصروفهم ثم يَرمونه في الزبالة، ادخُلوا كافيتريا الجامعة وشاهِدُوا العاملة وهي ترمي أكواب القهوة الطازجة والسندويشات الشهية الساخنة المَتروكة على الطاوَلات، فلماذا إشتَراها الأبناء إذا لم تكن لدَيهم الرغبة في شربها وأكلِها؟ وقد خطر لي يومًا إحصاء ما رُمي أمامي، فوجدتُ ما قيمته خمسين ريالاً، وهذا ما رأيته أنا فقط، أي إنها ترمي في الشهر ما قيمته 1500 ريال وهذا في جامعة واحدة، فكم يرمون في المدارس؟ وفي المَرافِق الأخرى؟
وأكثر الأبناءِ لا يَستحقُّون وضع المال بين أيديهم، فإهتِماماتهم سخيفة، وعُقولهم ضعيفة، إنهم مُسرفون ومُبذِّرون ومُستهتِرون، أبناؤنا يَحتاجون لإرشادات صحيحة يَعرِفون بها قيمة المال، والطريقة الصحيحة لإنفاقه، وإلا فلا تضَعوا المال بسخاء بين أيديهم.
•- إعزلي ابنكِ عن مواطن الشهوة قدر الإمكان، واقلِبي قناة التلفاز حين تظهر الإعلانات، وجنِّبي أولادك المَعروضات المُغرية في الأسواق ودكان الألعاب بالذات، إلا في المناسبات.
المال وسيلة لتحقيق الإستقرار، فنَشتري به الشيء الضروري، فإنْ وسَّع الله علينا اشترَينا الأشياء التي قد نحتاجُها، فإنْ فاضَ المال بين أيدينا اشترينا من الكماليات ما يُفيدنا ويُصلِح حياتنا.
•- اصحَبيه كل مدة إلى الأسواق المعتدلة الأسعار، وإشتري له ما يحبه من الطعام والملابس والكتب -ولكن بلا إسراف- واصحَبيه إلى دكان الألعاب في المناسبات -مثل الأعياد أو إذا تفوَّق أو نجَحَ- ولكن ولكي يتعلَّم القناعة حدِّدي له مبلغًا يَختار فيه ما شاء مما يُناسِب عمره ومُيوله، وذلك ليشعُر بالحرية ولا يُسيطِر عليه الشعور بالحرمان.
•- إنتبهي! أبناؤنا يَستهتِرون بموارد الأرض، ويتركون الأنوار مضاءة، والتلفاز شغالاً، ويُسرِفون في الماء، ويُهمِلون إقفال صنابير المياه جيدًا، ولا يبالون بتلوث كوكبنا.
فأصلِحوا مفاهيم أبنائكم الإقتصادية، المال -وإن فاضَ- نعمة يجب حفظُها وحرامٌ إهدارها، ومصاريفُ الحياة كثيرة، ويَنبغي ضبطُها والاعتناء بما يُجدي ويَبقى، وشراء آلة العجن أجدى من شراء البيتزا، وشراء آلةٍ لتقطيع الخضار أبقى من شراء شرائح البطاطا المقلية، وهذا كسب أكبر لأفراد العائلة جميعًا.
والماركات تأكُل الأموال لغلائها، ولا تجلب السعادة، ونستطيع العيش من دونها، والأسواق تنوَّعَت وكَثُرت، وهي مليئة بأجمل البضائع، والأغنياء صارُوا يشترون منها، ولا يَستحون من رخصِها!
•- التوفير ليس عيبًا، وإنما عقدة النقص هي العيب، وهي ما يَمنع أبناءنا من التوفير، واسمَعوا هذه القصة الحقيقية، وأرجو أن تَعتبِروا منها: فرضت إحدى المدارِس قميصًا معينًا تلبسنه البنات في اليوم الوطني، وكان ثمنُه 80 ريالاً، إستحَت الفتيات الفقيرات ودفعْنَ ثمنه وأخذنه، بينما إعترضَت الغنيات على غلائه، لأنه مجرد قميص وسِعرُه في المحلات الرخيصة عشرة ريالات، ووافقَت المدرسة لهنَّ وإشترينه من هناك.
الكاتب: عابدة العظم.
المصدر: موقع منبر الداعيات.